هذا المؤلف القيم، لا ينبغي أن تخلو منه مكتبة المرأة المثقفة المسلمة، فهو موسوعة غزيرة بمعلوماتها، دقيقة برصدها، عميقة بنظرتها، قوية في تقريرها، وموثقة بأدلتها. يقع الكتاب في ثلاثة أجزاء، يختص كل واحد منها بموضوع معين، والقاسم المشترك بينها هو الحديث عن قضية المرأة، من زوايا عدة، اجتماعية وثقافية، وشرعية وسياسية. وفيما يلي عرض مختصر لكل جزء: الجزء الأول/ معركة الحجاب والسفور: قضية المرأة بين المنهزمين والمتآمرين: يركز هذا الجزء بصورة عامة على تاريخ دعوة (تحرير المرأة) في مصر بالذات، كونها رائدة الحضارة الإسلامية لعصور طويلة امتدت حتى العصر الحاضر، ويظهر في مجمله الدور المشبوه لاستعمار في الدول الإسلامية، ومن تبعهم من جماعات علمانية وليبرالية، في جهودهم الحثيثة للقضاء على الحجاب، بهيئته الحسية والمعنوية، لتكون المسلمة صورة مكررة من نظيرتها في الحياة الغربية الحديثة. ابتدأ الرصد التاريخي بعرض البذرة الأولى، دور الشيخ (رفاعة الطهطاوي)، ثم تبعه ببيان الجذور لهذه القضية ودورها الضالع في تسهيل عملية تغريب الأمة الإسلامية: (محمد عبده)، و(جمال الدين الأفغاني)، وتلاميذهم وقد كان من أبرزهم (قاسم أمين). انتقل الكاتب بعد ذلك إلى فصل يتوسع في الحديث عن حياة قاسم أمين وكتابه (تحرير المرأة) وظروف تأليفه، وما موقف الأمة العربية والإسلامية منه والسلطة التنفيذية للأفكار التي حملها. وبعد ذلك، عرض الكاتب سلسلة من النساء خريجات البيوت العميلة في موكب تحرير المرأة المزعوم، أمثال: هدى شعراوي، ودرية شفيق، وأمينة السعيد، عقب ذلك بتجلية دور الصحافة في حركة تدمير المرأة، ووقفة أخرى مع بعض دعاة تحرير المرأة أمثال إحسان عبد القدوس، ونجيب محفوظ، ومصطفى أمين، ونزار قباني، إضافة إلى وقفة خاصة مع طه حسين وزكي نجيب محمود. يعتني الكتاب ببيان موقف الإسلام من دعاة تحرير المرأة، وواجب المسلمين نحوهم، يتلو ذلك رصد سريع لمعركة الحجاب في تركيا، ومعركته الأخرى في مصر، خاتما الكتاب ببشائر عودة الحجاب في البلدان الإسلامية.
o القسم الثاني/ المرأة بين تكريم الإسلام وإهانة الجاهلية: يبتدئ هذا القسم بعبارة بليغة في الصفحة الأولى تقول مخاطبة للمرأة: (أنتِ نصف الأمة، ثم إنك تلدين لنا النصف الآخر، فأنت أمة بأسرها..!). ويفتتح الكاتب الحديث عن بيان غربة الإسلام في هذا الزمان، والحث على الصبر على الدين، ثم يبين أثر انحراف المرأة أو الانحراف بالمرأة في نزول العقوبة الإلهية، ووضع المرأة ومسؤولية الولاة، وموقف دعاة الإسلام من قضية المرأة، منتقلا إلى بيان إهانة الجاهلية للمرأة، عند الإغريق والرومان، وغيرهم، والأمم النصرانية، والعرب في الجاهلية. وتشرق شمس الإسلام، ليعرض الكاتب بكل سمو مظاهر تكريم الإسلام للمرأة، مساواة في الإنسانية والتكليف والمسؤولية المدنية، وجزاء الآخرة، ثم يدحض الكاتب بدعة المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة، مبينا الفروق بينهما في الشريعة الإسلامية. يبرز الكاتب مكانة المرأة في وظيفتها كأم، مرصعا حديثه بمواقف سلفية رائعة في بر الوالدين، متبعا ذلك بعرض سير رائعة لنساء مسلمات كن – كأمهات - وراء عظماء في التاريخ الإسلامي، كعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، وعمر بن عبد العزيز، وسفيان الثوري، ومالك بن أنس، والشافعي رحمهم الله. ثم انتقل إلى مكانة الأنثى – كبنت – في الإسلام، وكيف دعا الدين القويم إلى العدل بين الذكر والأنثى في المعاملة والعطاء، وإكرام البنات خاصة، وفضل تربيتهن. بعد ذلك يتوسع الكاتب في الحديث عن الأنثى – كزوجة -، مبينا مكانتها ومواقف رائعة للزوجة المسلمة في التاريخ الإسلامي، ثم يعرض الكاتب الحياة الزوجية حقوقها وواجباتها وآدابها، مبتدئا بتلك المشتركة بين الزوجين، ثم حقوق الزوجة على زوجها، المادية والأدبية تفصيلا، ومختتما بحقوق الزوج على زوجته. وفي صور تاريخية بديعة متلاحقة، يبتدئها الكاتب بصورة المرأة مؤمنة مجاهدة صابرة في التاريخ الإسلامي، ثم يعرج بصورة المرأة عالمة مع سير لعالمات بارزات مسلمات، مختتما بصور سامية للمرأة عابدة قانتة.
o القسم الثالث/ الأدلة: يتسم هذا القسم من الكتاب بالتخصص الفقهي، مفتتحا بتمهيد في تقرير فتنة المرأة واحتياطات الإسلام لسد ذرائع الفتنة من إجراءات وقائية كتحريم الزنا والقذف، وفرض الحجاب وتشريع الاستئذان وغض البصر، وتحريم الاختلاط، وتدابير أخرى إيجابية كالترغيب في الزواج والأمر بالاستعفاف لمن لم يجده. ثم يوضح المؤلف معنى الحجاب ودرجاته، وتاريخه، وفضائله ومثال التبرج والسفور، ينتقل بعده إلى بيان شروط الحجاب الشرعي، مع نقد للحالة المعاصرة في الحجاب. ويدخل الكاتب في صلب الموضوع، حين يتوسع في أدلة عديدة في وجوب ستر الوجه والكفين من القرآن الكريم والسنة النبوية، عاضدا أدلته بأقوال لأئمة المسلمين من السلف والخلف. كما يعتني الباحث بذكر الشبهات التي قد ترد على قضية الحجاب، مع تفنيد علمي لها، تقارب السبعة عشرة شبهة، ثم يختم الكتاب بالإشارة إلى حكم كشف الوجه والكفين في المذاهب الفقهية الأربعة، مع تنبيهات في هذا السياق. * * * الكتاب ثروة ثقافية وعلمية، تتميز بجزالة الأسلوب والغنى بالمعلومات، والتشويق الرصين في الطرح، والوضوح والجرأة في الدفاع عن الإسلام وأهله، والحرص كل الحرص على توثيق أقوال دعاة السفور وبيان جهودهم في هذا المجال. كما يبرز في الكتاب إجمالا العناية بالتوثيق التاريخي، وذلك برصد الجذور لكثير من القضايا الراهنة، سلبية كانت أو إيجابية. ومن جهة أخرى، يتميز الكتاب بالإحاطة العميقة بأحكام الدين الإسلامي المتعلقة بالمرأة والأسرة، ويكثر الاستطراد في ذلك متوسعا في كل ما له شأن بهذه القضايا، بيانا لحكمها، والحكمة منها، ونحو ذلك. فلكل من يرغب في تأصيل أفكاره الإسلامية في شأن حقوق المرأة المسلمة وقضاياها المعاصرة، نوجه دعوة إلى دراسة الكتاب دراسة متأنية عميقة، تكفل للقارئ بناء ثقافة تاريخية وثقافية وشرعية رصينة حول قضايا المرأة. الكتاب يقع – كما أسلفنا – في ثلاث مجلدات، الأول يقع فيما يزيد من الثلاثمائة والعشرين صفحة، والثاني وهو أكبرها يقارب السبعمائة صفحة، ويبلغ الثالث الأربعمائة والتسعين صفحة إلا قليلا. ********************