يسألونني عن مصر: فكان لزاماً علي أن أكتب. سألني
أحد زملائي في العمل أمس 01/07/2008 عن علاقة مصر بقطاع غزة، ولماذا تهتم
مصر بأمر التهدئة وخلافه، وبعد أن أجبته باقتضاب كيف أن مصر “دولة عربية”
وجارة لغزة ، ولها علاقات مع “الكيان الصهيوني” أحسست بأني لم أجبه بشكل
صحيح، فأحسست أنه لزاماً علي أن أكتب هذه التدوينة.
قبل أن أبدأ في الكتابة أود أن أقول أنه عندما كان الإمام أحمد إبن
حنبل مسجوناً فدعى الله أن يهلك الظالمين وأعوانهم فقال السجان الذي على
بابه ، يا إمام ماذنبي أنا لماذا تدعو على أعوانهم ، فقال له الإمام أنت
لست من أعوانهم بل أنت من الظالمين أما من حاك لك ثيابك فهو من أعوان
الظالمين ، لذلك كلامي هنا عن مصر حكومة وشعباُ ، إلا من رحم ربي .
طول عمري وأنا بحاول ألا أكره مصر، أحاول دائما إيجاد المبررات،
الحقيقية منها أحيانا والخيالي أحيانا كثير، وكل مرة كنت أتناقش مع أحد
مما لديه إعتراضات على مصر تجدني أقف محتداً ومتصلبا دفاعا عن جمهورية مصر
“العربية” وبرغم ما عانيته أنا شخصياً ولكني دائما ما كنت أقول لو لم أكن فلسطينيا لتمنيت أن أكون مصرياً.. لكن ليس الآن ..
فلو
لم أكن فلسطينيا لتمنيت أن أكون لاشيء، أو لتمنيت أن أكون مجرد هواء يطير
ليمر فوق تراب غزة ويعانق أمواج بحرها أو يلامس وجنة مجاهد سهر طول الليل
على الثغور ، لتمنيت أن أكون مجرد تراب ، ولن أتمنى يوماً أن أكون مصرياً.
صدقوني ، الموضوع لم يكون هكذا من قبل ، ولم يأتي الموضوع في ليلة
وضحاها ، بدأ الموضوع من زمن ، من بداية أن كانوا المصريين “حكومة وشعباً”
يقولون أن أهل فلسطين باعوا فلسطين فلماذا ندافع نحن عنها
وكأن الجنود المصريين يقفون على بعد خطوات من الحدود مع دولة العدو مهددين ومرعبين لها ..واستمر بعد ذلك لتجد المناقشات مع المصريين حول أن الفلسطينيين خسروا
الكثير لأنهم لم يستمعوا لصوت “العاقل” أنور السادات وأنهم اليوم يوافقون
على أقل مما عُرض عليهم
وكانه من المفترض أن يرضي المجني عليه
بأن يقبل يد الجاني لما جناه في حقه ويعتذر منه بسبب تأخره في الإعتذار .
يناقشوني المصريين في أنه لماذا لم تقبلوا بأفكار السادات ونسلم أكثر من
60% من أرضنا للصهاينة ونسلب أكثر من 4 مليون فلسطيني حقهم في العودة.وبعيداً عن السياسة ودخولاً في التعامل اليومي مع المصريين ، فنحن
الفلسطينيين وخصوصاً أهل غزة مضطرين لا مختارين أن نرتبط بمصر بسبب
العلاقات الأسرية وبسبب أنها المنفذ الوحيد ، طبعا سيقول البعض ولماذا لا
تعتبروا الكيان الصهيوني منفذا ، سأجيب وأقول أن الكيان هو محتل معروف وله
أساليبه ولنا أساليبنا ونحن نعتبره منفذ ولكن إلي أين ، أقصد أنه إن كنا
سنسافر على أوروبا أو أمريكا فكنا ولا زلنا نعتبره منفذ أما إن كنا سنسافر
على دول عربية فللأسف مصر هي المنفذ الوحيد ، على العموم كنا وما زلنا
مرتبطين بمصر جغرافياُ ومصر “حكومة وشعباً” كانوا ومازلوا يستغلون هذا
الأمر لإذلالنا ..
بدءاً من معبر رفح الذي نضطر للإنتظار فيه ساعات وأيام وأشهر ، مروراُ
بتحقيق أمن الدولة ومزاج الظابط الذي من المحتمل أن يمنعك من الدخول لمجر
أنك لم تقف أمامه منتصبا إلى العسكري الموجود في الصالة الذي قام بالسخرية
من إسم عائلتك وعندما لم تصبر على هذه السخرية قام بالذهاب للظابط فمنعك
من دخول مصر إلى الموظف في “الكافيتيريا” الذي يستغل كل فرصة ليقوم
بتسميمك إما بالشاي أو بسندوشات لا تصلح حتى أن ترميها ، وصولاً إلى
المواطن المصري الذي عندما تخبره بما عانيته ليقول لك ببساطة وبلادة ، “طب
مادام مش عاجباك مصر ، جيت عليها ليه ” ..
كل هذا ممكن أن نقول عنه لاشيء ، تنتهي أمورها عند وصولك لمصر، وتبدأ
رحلة جديدة من العذاب ، فإن كنت ستقيم في مصر فأنت على موعد مع العذاب
للحصول على الإقامة ، تذهب يوميا ساعتين ذهابا لمركز الجوازات لتسأل ، “هل
إقامتي جاهزة” وبعد الإنتظار في الطابور الذي هو بالمناسبة ثقافة مصرية ،
وتصل للموظف فيقول لك ” لا ، إقامتك غير جاهزة ” فتعود ساعتين مرة أخرى ،
أي 4 ساعات يوميا بالإضافة إلى ساعات الإنتظار الطويلة .
أما إذا كنت مغادراً مصر لدولة أخرى فالعذاب هنا له مذاق آخر ، عذاب
متعدد المذاق يصعب وصفه ولكني سأحاول أن أختصره بأنني حجزت يوم كامل في
المطار لسبب لا أعرفه ، وعندما سألت “العسكري” لماذا قال لي ببساطة “إنتو
بهايم ، ما أنا أولتلك مش عارف” .
طبعا كل هذا العذاب لدخول مصر إما للإقامة أو للسفر ، أما رحلة العودة فبإمكانك مضاعفة هذا العذاب عشرة أو عشرين مرة ,,
في النهاية أقول وبكل ثقة “أنا أكره مصر الآن” أقولها لأول مرة وذلك
لأنه بالأمس طفح الكيل معي ، رأيت أمهاتنا وأطفالنا وشيوخنا يعانون ما لا
تطيقه نفس على معبر رفح، ومصر تتلذذ بإذلالهم ، فكان لا بد أن أكرهها ..
وفي المقابل أطالب مصر بالتالي ..
أولاً: نبش قبر الإمام الشافعي وإرسال جثمانه إلى غزة ، فهو غزاوي.
ثانياً: إلغاء صفحة سليمان الحلبي من صفحات تاريخ مصر لأن سليمان الحلبي ليس مصري كما أن 4 شباب من غزة هم من ساعدوه لقتل كليبر
ثالثاُ: الكف عن التشدق بأنهم حاربوا في فلسطين فهم لم يحاربوا يوما من
أجل فلسطين ، فحرب الـ48 كانت فلسطين تتبع ملك مصر، أما في الـ67 فكانت
تتبع الحكم المصري ، أما في الـ73 فحاربوا لتحرير سيناء.
في النهاية لن أقول عذار إن كان كلامي آلم أحد من القراء ، ولكن الألم إعتصر قلبي وتفكيري فكان لزاماً علي أن أكتب.