استمعوا معي إلى دعوات سيدنا إبراهيم الخليل ، وهو يناجي ربه الجليل فيقول: : " رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ
رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ،
رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ"[إبراهيم:37،38]
هل لمحت شيئا ؟؟قال: " فاجعل أفئدة"إنها رحلة بالقلوب لا بالأبدان ، رحلة قلوب مشتاقة وأرواح منقادة تنجذب لبيت المحبوب.
قال ابن الجوزي في " صيد الخاطر " : " واعلم أنَّ الطريق الموصلة إلى الحق سبحانه ليست مما يقطع بالأقدام، وإنما يقطع بالقلوب "
قال الإمام ابن الجوزي في كتابه "نقد العلم والعلماء" : "قد يسقط الإنسان الفرض بالحج مرة ثم يعود لا عن رضا الوالدين وهذا خطأ .
وربما حج وعليه ديون أو مظالم ، وربما خرج للنزهة ، وربما حج بمال فيه شبهة ، ومنهم من يحب أن يتلقى ويقال له : الحاج ،
وجمهورهم يضيع في الطريق فرائض من الطهارة والصلاة ، ويجتمعون حول الكعبة بقلوب دنسة وبواطن غير نقية ، وإبليس يريهم صورة الحج فيغرهم ،
وإنما المراد من الحج القرب بالقلوب لا بالأبدان وإنما يكون ذلك مع القيام بالتقوى ، وكم من قاصد إلى مكة همته عدد حجاته فيقول : لي عشرون وقفة ، وكم من مجاور قد طال مكثه ولم يشرع في تنقية باطنه "
هل فهمتم لماذا سنحج جميعا هذا العام إن شاء الله تعالى ؟؟؟
لأن القصد بالقلب لا بالبدن ، فكم من حاج مردود ، وكم من معذور نال الأجر بنيته . قال صلى الله عليه وسلم :" إن أقواما خلفنا بالمدينة ما سلكنا شعبا ولا واديا إلا وهم معنا حبسهم العذر "[ رواه البخاري ]
فيا أيها الحاج ويا أيها المعذور كيف سيقبل قلبك على ربك ؟
لا ريب عليك بالتوبة ليطهر هذا القلب ، فاستغفر كثيرا ، وجدد توبتك ، واسأل الله تعالى أن يسلل سخائم صدرك ، ويغسل حوبتك ، واستشعر عظم الأجر لو وقفت ، فالتوبة أسمى المقامات .
قال تعالى: " لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيم "[ التوبة : 117 ]
قال ابن القيم في " زاد المعاد ": " هذا من أَعظَم ما يُعَرِّفُ العبد قدرَ التوبة وفضلَها عند الله، وأنها غاية كمال المؤمن،
فإنَّه سبحانه أعطاهم هذا الكمال بعد آخر الغزواتِ بعد أن قَضَوْا نحبَهم، وبذلوا نفوسهم، وأموالهم، وديارهم لله، وكان غايةَ أمرهم أن تاب عليهم،
ولهذا جعل النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومَ توبةِ كعب خيرَ يوم مَرَّ عليه منذ ولدته أُمه "
وتفكر في معنى" وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُود "[ الحج : 26 ]
البيت مطهر ، ولا يدخله إلا طاهر مطهر ،
" إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ " [الأنفال : 34 ]
الواجب العملي :
(1) اجلس مع نفسكهل استكشفت عيبك ؟اكتب في ورقة عيبا أو عيبين ، وأعمل جهدكأن تسعى بكل ما أوتيت من قوة في التخلص من هذه الآفات ،
هذا من ثرثرة لسانه ، وهذا من التفاته عن ربه ، وهذا من الكبر ، وهذا من العُجب ، وذاك من الرياء وحب المحمدة ، اخلص لتتخلص .
(2) زد من ورد استغفارك لتتطهر.
(3) تذكر ذنبا لو لقيت الله به غير مغفور هلكت ، هل تذكره ؟؟؟نعم هو ذاك الذي يدمي قلبك ، هو ذاك الذي يدمع عينك ، هذا الذنب روض به نفسك لتجدد توبتك.
استعدوا فقد حان وقت إقلاع القلوب لعلام الغيوب ، وسنبدأ الرحلة من( إحرام قلب)فتدبروا ما فات ، وأعدوا العدة لما هو آت ، وتفكروا ماذا ستحرمونه على قلوبكم من الآن.
اللهم لا تحرمنا زيارة بيتك الحراموإلا فقد حبسنا العذر فلا تحرمنا الأجر.