لقد قررت أن ادفن فيك يا وطني
بقلم سبأ جرار / فلسطين
.......أخيرا توصلت لقرار، لقد اخترت مكان دفني، وبلغت مرحلة انتزاع حقيبة
السفر التي تولد في لحظة قدومنا للحياة ، وهي دوما تتنازع مع قدراتنا
ورغباتنا نحو الرحيل ، نعيش العمر كله نرغب بالرحيل ،... بالهجرة من كل ما
يقيدنا ويترك مسؤولياته علينا نحو المجهول، وإدراك ما لا نملك ، هكذا هو
الإنسان ،يطمع دائما في ترك ما يدرك ،ليمتلك ما لا يعرف،
ولأنني كغيري من عبيد هذا الوطن الذين لم يرتقوا لمرحلة النخب والحق
بممارسة العمل "ألوطني "، وبالتالي يجب مطلوب منا أن نتوقف عن قراءة الصحف
ومتابعة أخبار "معا " ،التي لا تتوانى أن تعلن لنا عن أداو الاستماع إلى
راديوا "أجيال" على رأ س كل ساعة، أو ربع ساعة،إعذورني .. لم اعد اعرف ،
لان أخبار سيادة الرئيس وحالة الانتظار التي يعيشها سواء انتظار رد
نتنياهو، أو رد مشعل ، أي سواء التحرير والخلاص
من الاحتلال أو المصالحة ولئم الجرح الوطني ،فهو ينتظر، ومادام ينتظر
، علينا أن ننتظر .... مع أننا كشعب بسيط وساذج لا نمتلك دائما حنكة
الساسة وحكمتهم في القدرة على الانتظار ، لذلك نستبيحكِ عذرا يا وسائل
الإعلام ، ...عليك أن تتحملي قسوة الغضب التي تدفع بعضنا بل كلنا لإغلاق
الاتصال معك لحظة بدئك بسرد تفاصيل وآخر مستجدات الانتظار.
إن هذا الرفض،أوعدم القدرة على المتابعة للدراما الوطنية، وفر لنا مساحة
من الفراغ ، ودفعني شخصيا أن أفكر فيما غفلت عنه، وهو القرار الذي يسوقني
للنهاية، القرار الذي يجعلني أفكر في أي مكان سأختار مكان دفني، فكلما
سافرت لمكان ،أو اختلطت بثقافة طمحت للهجرة والرحيل، ولكن عندما أصبحت لا
أدرك الأشياء، عدت
لإنسانيتي وفطرتي، واستشعرت تلك اللحظة المظلمة داخل القبر ،لن يحن على
الجسد البالي، ويخفف ظلمة القبر المرعبة، سوى ترابك انت يا فلسطين، فأنت
قد عرفت الموت منذ لحظات الشهادة فالموت عندك امتداد وبقاء ......
وعذرا أيتها الأم المغدورة، أبدأ من بعض العاقين إن غفلنا للحظة عن ممارسة
حبك فهو الأمل دائما ،انك لن تأخذينا بإثم من تهاونو بك وبنا فاصبحنا
نكره ولا نحب ، ننام ولا نستيقظ ، نقسو ولا نسامح ................ ولكن
برغم غيومهم السوداء التي تغطي بعضا من شعاع شمسك لبعض الوقت، فإنهم سحاب
عابر،تتداخل جدائل النور من بينهم ،
مثل ابتسامة الشيخ خضر عدنان وهو يعود مظفرا إلى طفلتيه....
عموما ،لقد ساقني هذا الفراغ بعد توقفي عن متابعة أحداث دراما الانتظار
إلى الابتعاد عن التوازن في المشاعر، ولقد بالغت بالتفكير في كل شيء ،
حتى في مكان دفني ،لأترك كل ما علق للذين كفونا شر الانتظار بدل أن يكفونا
شر القتال .....
ولكن ما يرعبني حقا أيتها المغدورة المستباحة في أرجاء مؤسساتك من غزة إلى
أقصى الشمال والوسط في كل صباح ، أن المس منك الجفاء والرفض، وان يصبح
لديك مقاييس لمن يستحق أن يدفن في كنفك ويستنشق عطر المسك المتداخل في
ذراتك من دم الأحياء الغائبون في فضاء السماء ............
ما علي سوى الإعلان أنني أصلي لأدفن في أرضك، وان امتنع عن حالة الانتظار
....... ولك القرار، فأنت وحدك يا فلسطين الشرعية في هذا الزمن الحرام
قال احد الحكماء" أتعرفون كم يحب تراب الوطن أهله، قالوا لا ، قال عندما تموت ويرفضك الناس، لا يبقى من يضمك إلا تراب الوطن"