مقتبسات
أساس الخضوع لله تعالى
هو
الشعور الواعي بوحدانيته تعالى، وقهره لكل من في الوجود، وما في الوجود.
فكلهم عبيده وخلقه، وفى قبضة قدرته وسلطانه.
وفى هذا يقول القرآن الكريم:
(ولله يسجد من في السموات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال، قل
من رب السموات والأرض، قل الله، قل أفاتخذتم من دونه أولياء لا يملكون
لأنفسهم نفعا ولا ضرا، قل هل يستوي الأعمى والبصير، أم هل تستوي الظلمات
والنور، أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم، قل الله خالق
كل شيء، وهو الواحد القهار).
أساس الخضوع الله الواحد القهار
هو
الشعور الذاتي بالحاجة إلى من يملك الضر والنفع والموت والحياة، ومن له
الخلق والأمر، ومن بيده ملكوت كل شيء، ومن إذا أراد شيئا قال له "كن"
فيكون.. الشعور بالضعف أمام من يملك القوة كل القوة. والشعور بالجهل أمام
من أحاط بكل شيء علما. والشعور بالعجز أمام من يملك القدرة كل القدرة،
والشعور بالفقر أمام من يملك الغنى كل الغنى. وباختصار شعور العبودية
المخلوقة الفانية الفقيرة بالذات أمام الربوبية الخالقة الأزلية الأبدية،
المالكة لكل شيء، والمدبر لكل أمر
وكلما
ازداد الإنسان معرفة بنفسه، ومعرفة بربه، ازدادت هذه المشاعر وضوحا وقوة،
فقوى اعتماده على الله، واتجاهه إليه، وتوكله عليه، واستعانته به، وتذلله
له، ومد يد الضراعة إليه، ووقوفه ببابه سائلا داعيا منيبا إليه
فإذا
جهل الإنسان قدر نفسه، وجهل قدر ربه لم تمت هذه المشاعر، ولكنها تنحرف
وتتحول فتبحث لها عن رب تتجه إليه، وتخضع له، وتنقاد إليه ولا بد،
وإن لم تشعر بذلك، أو لم تسمه خضوعا، وانقيادا، ولم تسم مقصودها ربا وإلها.
فمن عرف الله أحبه، وبقدر درجته في المعرفة تكون درجته في المحبة،
ولهذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم أشد الناس حبا لله؛ لأنه كان أعرفهم
بالله، وكانت قرة عينه في الصلاة؛ لأنها الصلة المباشرة بين قلبه وبين
الله، وكان في دعائه يسأل الله الشوق إلى لقائه، ولذة النظر إلى وجهه
سبحانه. ولما خير بين البقاء في الدنيا وبين اللحوق بربه قال: أختار
الرفيق الأعلى
أما علماء الكلام أو بعضهم ممن زعموا أن الحب الحقيقي لا يتصور من جانب العبد لله،
وقالوا: إن معنى حب الله هو المواظبة على طاعته تعالى أما حقيقة الحب فهو
محال، إلا مع الجنس والمثال، فقد رد عليهم الغزالي في "الإحياء" ردا
مفصلا، مبينا أن الذي يستحق المحبة الكاملة بكل وجوهها، وكافة أسبابها هو
الله وحده.
إذا كان الله قد خلقنا لنعبده،
أي لنطيعه طاعة مصحوبة بأقصى الخضوع، الممزوج بغاية الحب، ففي أي شيء تكون
هذه الطاعة؟ ـ طاعة الخضوع والحب ـ وفي أي مجال يجب أن تكون؟ إن الجواب عن
هذا التساؤل سيبين لنا حقيقة هامة، هي: شمول معنى العبادة في الإسلام،
وسعة آفاقها.
وهذا الشمول له مظهران:
الأول: شمولها للدين كله وللحياة كلها.
الثاني: شمولها لكيان الإنسان كله ظاهره وباطنه