واجبنا تجاه ما يحصل لإخواننا في الصومال وغيرها
ظَافِرُ بْنُ حَسَنْ آل جَبْعَان
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم اهدني وسددني
واجبنا تجاه ما يحصل لإخواننا في الصومال وغيرها
الحمد لله رب العالمين المحمود على كل حال، والصلاة والسلام على خير الأنام، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإن الله يقلب الليل والنهار، ويصرف الأمور والدهور على من يشاء، فهو يقبض ويبسط، ويعطي ويمنع، ويرفع ويضع، ويقرب ويبعد، ويقدر على عباده ما شاء، وكيف شاء، ومن أقداره التي يقدرها عليهم بمحض عدله وحكمته ما يبتليهم به من الفقر والحاجة، والجوع والمسغبة، والحروب والبلايا، والزلازل والمحن، والبراكين والإحن.
هذا القرن الإفريقي ابتلاه الله بوطأة الفقر، وألم الجوع، والشدة والبلاء، فهو يئن تحتها، وإن من أكثر دول القرن الإفريقي تعرضاً للمجاعة دولة الصومال، وبلد الصومال بلد مسلم بالكامل، وسيكون الحديث عن ذلك البلد الذي جمع بين أشد ما تبتلى به الشعوب، جمع بين الحرب والفقر، فلا أمن ولا طعام؛ بل خوف ومسغبة، ويُتم ومسكنة.
أعلنت منظمة الأمم المتحدة: أن ثلاث مناطق صومالية جديدة مناطق منكوبة بالكارثة التي تهدد 12.400,000 إنسان في القرن الأفريقي ثلثهم في الصومال.
أهلنا في الصومال يمرون بمجاعة مهلكة، وكرب عظيم، وبلاء جسيم، إن ما يمر بهم لهو بلاء يَفُت الصم الصِلَاب، ويُقرح الأكباد، وينفطر منه الفؤاد.
هذه امرأة ضعيفة اسمها " حواء آدم " نزحت من إقليم جنوب غرب الصومال وصلت إلى بعض مخيمات اللاجئين بعد أن أنهكها الجوع والتعب، وتقول إنها باعت كل ما تملك عائلتها لتنقذ حياة أحفادها بعد أن هلكت المواشي، وجفت الآبار، ومع نزوحها إلى العاصمة تقول: لم نجد أي مساعدات تذكر.
وهذه أخرى قد بلغت من الكِبَرِ عتيا، فقد رق عظمها، وضعف بدنها، ولا تقر يدها من الاهتزاز من كبر سنها، ولا تكاد تسمع صوتها، نزحت من منطقة " بكول " جنوب الصومال تاركة وراءها اثنين من أولادها، وقد واصلت السير لأكثر من أربع مئة كيلاً للوصول لمخيم لإغاثة اللاجئين، وقد تعرضت في طريقها للنهب والسرقة، وتطلب خيمة فقط لتؤوي أحفادها اليتامى، لتقيهم الحر والبرد.
وثالثة هي: " مؤمنة آدم " تبلغ من العمر ستين عاماً تحملت معاناة لا يطيقها أشد الرجل، كل هذا هربا من الجوع، وقضت في مشيها على قدميها سبعة أيام تبحث عن الطعام، وهي تشتكي إلى الله مما أصابهم من ظروف قاسية، مما جعلها تفترق عن أولادها وهي لا تعرف عنهم شيئاً، وتطلب ما يسد الرمق فقط.
ويقول الشيخ راشد الزهراني:( زرت إفريقيا ورأيت فيها من المجاعة ما لا يخطر على قلب، والله لقد رأيت طفلاً لم يتجاوز التاسعة يزحف على بطنه باتجاهنا؛ فظننت أنه مشلول، فقيل إنه لا يستطيع الوقوف على قدميه؛ لأنه لم يأكل ولم يشرب منذ ثلاثة أيام).
ويحدث أحد الدعاة: أن امرأة لحقت به ومعها ثلاثة من أبنائها وألقت بهم أمام إحدى الجمعيات وذهبت وهي تقول:(سأموت من الجوع ولا أريد أن أرى أبنائي أمامي وهم يموتون).
هذا غيض من فيض مما حل بإخواننا في ذلك البلد، والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا به.
وحسب إحصائيات رسمية لمنظمات إغاثة فإن عدد النازحين الهاربين من الفقر والجوع، الباحثين عن الغذاء وصل إلى مليون ونصف إنسان معظمهم من النساء والأطفال نزحوا داخل بلادهم، و800 ألف نازح إلى بلدان مجاورة مهددة بعض مناطقها بالجوع هي أيضاً، وتحتضن كينيا وحدها 400 ألف لاجئ صومالي في مخيم " داداب "، حيث حذرت الأمم المتحدة من ارتفاع مفزع في معدل وفيات الأطفال، والآن يعاني أكثر من 300 ألف طفل من سوء التغذية.
وقالت المنظمة الأممية: إن معدل وفيات الأطفال دون الخامسة ارتفع من 1.2 لكل ألف إلى 1.8، وهي أرقام لا تتعلق إلا بمن توفوا داخل المرافق الصحية، مما يعني أن هناك على الأرجح وفيات أخرى لم توثق، وتحدثت الحكومة الأمريكية عن 29 ألف طفل ماتوا في الصومال بسبب الجوع خلال الأشهر الثلاثة الماضية، وهذه الأزمة وصفها السيناتور الديمقراطي " كونز ": بالأسوأ في عقدين.
وتأتي هذه الأرقام المخيفة في وقت أعلنت فيه الأمم المتحدة ثلاث مناطق صومالية جديدة مناطق منكوبة، ولم تستبعد استفحال المجاعة.
ومع هذه المجاعة العظيمة فإن التحرك النصراني والرافضي على أشده، فقد فزعت الجمعيات التنصيرية، والرافضية إلى شعب الصومال لنجدتهم، رغبة في تبديل دينهم، فالله لكم يا أهل الصومال اجتمع عليكم مع الحرب والفقر، أن تفتنوا في دينكم، وتستبدلوا الإسلام بالكفر.
أما التنصير: فمنذ عام 1991م والهيئات التنصيرية تنهش لحوم الصوماليين وتحاول فرض التنصير عليهم مستغلة بذلك الظروف الصعبة التي تعيشها البلاد: مِنْ تسلُّط أمراء الحرب على مقدرات البلاد، وكذلك الفقر والمجاعة التي يتعرض لها الصومال؛ ففي مطلع عام 2000م أعلنت الخارجية الأمريكية عن إرسالها 70 فرقة تنصيرية إلى جنوب إفريقيا، مؤهَّلين ومدرَّبين على العمل في أحلك الظروف في قلب الغابات والحروب والأمراض، وبالطبع كان للصومال نصيب كبير من هذه الفِرَق التنصيرية...
وفي سابقة خطيرة تحدث لأول مرة في تاريخ الصومال أفرغت منظمة كَنَسيَّة هي:(Swiss church) حمولة تزن أطناناً في مدينة " مركا " (جنوب غرب مقديشو على بعد 100 كم تقريباً)؛ وهي عبارة عن علب كرتونية تحتوي على لعب أطفال وعلاَّقات مفاتيح عليها صلبان، إضافةً إلى نُسَخ من قصص الأناجيل المحرَّفة، وكذلك بطاقات تهاني تحمل أسماء العائلات المُهدِية وعناوينها، ودعوة صريحة إلى الارتداد والتنصُّر، ووزعت هذه المواد السامة على طلبة المدارس في " مركا " عام:2004م على أنها هدايا قيِّمة، وهذا التوزيع العلني للأناجيل المحرفة والصلبان هو ما لم يكن يحلم به التنصير في الصومال قط.
وفي استهداف واضح للاجئين الصوماليين ففي عام: 2010م نقل موقع مفكرة الإسلام الإلكتروني خبراً عن قيام المؤسسات الإغاثية الغربية باستغلال الظروف القاسية للاجئين الصوماليين في كينيا؛ من أجل إبعاد المسلمين عن دينهم، وقال الداعية محمد عمر جامع - أحد أبرز الدعاة في مخيمات اللاجئين- وِفْقاً لموقع " الجزيرة نت ":(هناك أكثر من 15 هيئة إغاثة غربية في المخيمات، تعمل على إبعاد الجيل الصومالي الجديد عن دينه الإسلامي).
كما نقل موقع مفكرة الإسلام أيضاً على لسان أحمد عبد الله محمد مسئول الجمعية الخيرية لمسلمي كينيا قوله:( إن إغلاق مكاتب مؤسسة الحرمين الخيرية في كينيا شجع كثيراً من المحسنين الكينيين على العمل الخيري بدعم المعاهد الإسلامية، ومراكز الأيتام، وبناء المساجد، وحفر الآبار، غير أن جهودهم لم تصل إلى مخيمات اللاجئين الصوماليين في كينيا، وهم الذين يقدَّر عددهم بأربعمائة ألف شخص).
إن وجود نشاط تنصيري مكثف وممنهج يستغل حاجة الصوماليين إلى المساعدة الإنسانية في ظل الوضع الحرج الذي تمر به البلاد، أصبح حقيقة ثابتة تتبدى بعض مظاهرها من خلال الحرب الصامتة التي تجري وقائعها في أجزاء مختلفة من الصومال، بين منصرين غرباء نذروا حياتهم لمحاربة الإسلام وبين شعب مسلم أحاطت به ظروف قاسية؛ ولكنه ما يزال متمسكا بهويته الإسلامية.
وأما دور الرافضة: فلم يكفهم دورهم الخبيث والمشين والعدائي في كل من العراق، وأفغانستان، والشيشان، والبوسنة والهرسك، فقد وصل شرهم إلى القرن الأفريقي ومنه الصومال، فقد أعلن الرئيس محمود أحمدي نجاد استعداد الجمهورية الإسلامية الإيرانية للمساعدة في تحسين الأوضاع بالصومال مؤكداً أن إيران لن تنسى واجبها إزاء إخوانها هناك - ووالله ما البر أراد - و أشار نجاد إلى تنمية العلاقات الثنائية مشدداً على عدم وجود أية قيود في هذا المجال، معتبراً إيران الإسلامية البيت الثاني للصومال شعباً وحكومة.
ويقول أحدهم وهو يدعو شيعته للتحرك ودعمهم في الصومال:( الوهابية الحاقدة بسطت نفوذها منذ سقوط الحكومة المركزية عام:1991م بفضل خرّيجي جامعات الدولة السعودية حاضنة المذهب الوهابي, ولهم وجود عسكري وشعبي وأكثرهم جهلة أمُلي عليهم كفر الشيعة جملة وتفصيلا.
وهنا لا أجد تفسيراً دقيقاً لماذا تأخر أعيان أهل البيت (عليهم السلام) لملء فراغهم في هذه المنطقة؛ إذ يسعهم ما وسع الآخرين في المنطقة).
ويضيف:(ما يهمنا هو نقص المعرفة وبُعد الدار, وإذا تحدثت لأحد عن أهل البيت ومذهبهم يقولون لك صراحة: أولئك الشّيعة الكفّار تتحدث عنهم, لذلك أُلخص احتياجاتنا فيما يلي:
- كتب العقيدة.
- كتب الفقه.
- كتب الحديث.
- كتب السّيرة ( لا سيما الأئمة عليهم السلام).
- كتب التفسير المعتمدة لدى أهل البيت وشيعتهم (بعض الناس يزعمون التحريف علينا)
- كتب المستبصرين من كل مذهب). هذا شيء يسير من حال التنصير وعمل الرافضة في الصومال.
إذن إخواننا الآن يقعون بين سندان الفقر والجوع ومطرقة التنصير والرفض، وهنا يأتي السؤال الذي ينبغي أن يسأله كل واحد منا نفسه، ما هو واجبنا تجاه ما يحدث لإخواننا في الصومال وغيرها من البلدان المنكوبة؟ فالجواب فيما يلي:
1- حمل همهم، والشعور بهم وبما أصابهم، ولذلك جاء عن حذيفة بن اليمان – رضي الله عنه – أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: « مَنْ لَمْ يَهْتَمَّ بِأَمِرِ الْمُسْلِمِيْنَ فَلَيْسَ مِنْهُم » أخرجه الطبراني وغيره.
2- التألم لألمهم، والحزن لما أصابهم، وهذا من التعاطف والتراحم الذي ينبغي أن يجده المسلم من أخيه، فالمؤمنون إخوة، وهذه الأخوة – أخوة الدين أعظم من أخوة النسب يقول تعالى:{ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } [الحجرات:10]، ويقول - صلى الله عليه وسلم -:« مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى » أخرجه مسلم.
3- مد يد العون لهم حكومات وأفراداً، وكل بحسبه، وعلى المسلم أن لا يبخل على إخوانه فإن من يبخل فإنما يبخل على نفسه، يقول الله تعالى:{ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ } [محمد:38]، فعلى المسلمين أن يتنادون لمد يد العون لإخوانهم، فَتُطالب الحكومات بدعم المسلمين هناك وكل مكان يحتاج إلى الغوث، فإن تخاذلت الحكومات وقصرت، فلا ينبغي للشعوب أن تقصر.
ولنتذكر قول الله تعالى:{ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة:273-274].
4- اللجوء إلى الله تعالى بأن يرفع عن إخواننا ما أصابهم، وخاصة في هذا الشهر العظيم.
5- إثارة الرأي العام حول قضيتهم، وكل بحسبه، فتثار قضيتهم في المجالس، وفي الملتقيات، والمنتديات، ومواقع التواصل الاجتماعية، والصحف، والمنابر وغير ذلك.
6- تنظيم الحملات الإعلامية، والدعوية لإغاثتهم.
7- كتابة المقالات والرسائل في مثل هذه الموضوع.
8- زيارة الدعاة لمثل هذه المناطق لدعوة الناس وتعليمهم أساسيات دينهم، وحمايتهم من براثن أهل التنصير.
9- إنشاء الجمعيات الخيرية، ومتابعة دعمها.
10- إنشاء المراكز الدعوية لدعوة الناس، فإن الفقر ينتشر مع الجهل والخرافة، هذا لوحده، فكيف إذا اجتمع مع الفقر والجوع عدو يتربص بالدين وتغيير العقائد.
وختاماً: لا تدعوا إخوانكم في الصومال لمنظمات التنصير والتبشير وأهل البدع والزندقة، لتعطف عليهم عطوف الذئب على الحمل، وتلتف عليهم التفاف الحية على الأرنب، فنحن أولى بأهل الصومال منهم، و« الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ » أخرجه البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما.
\
اللهم إنا نسألك أن تعز الإسلام والمسلمين، وأن تذل الشرك والمشركين، وأن تجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، اللهم كن في عون إخواننا في الصومال، وفي كل مكان يا رب العالمين، اللهم اكس عاريهم، وأطعم جائعهم، وأمن خائفهم يا أرحم الراحمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
بقلم
الفقير إلى عفو سيده ومولاه
ظَافِرُ بْنُ حَسَنْ آل جَبْعَان