بسم الله الرحمن الرحيم
إن الأمراض الإنسانية مهما بلغت في عظمها ، وخطورة تأثيرها ، فإنها لن تقف وتقاوم كلام الحق تبارك وتعالى وهو القائل : { لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْءانَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ 000 } 0
( سورة الحشر - الآية 21 ) 0
إن القرآن والسنة شفاء لكثير من الأمراض المتنوعة على اختلاف أنواعها ومراتبها ، وهذه الخاصية لا ينكرها إلا جاحد أو جاهل أو حاقد لا يعلم حقيقة هذين الأصلين ، ولم يدرك المنبع والمصدر لكليهما ، أو أنه يتجاهل تلك الحقائق ، ويقيس الحياة بمقياس معنوي مادي محسوس ، دون النظر إلى القرائن والأدلة الثابتة من الكتاب والسنة التي تبين ذلك وتؤكده 0
قال ابن عبدالبر : ( إنَّ الرقي يدفع البلاء ، ويكشفه الله به ، وهو من أقوى معالجة الأوجاع لمن صحبه اليقين الصحيح ، والتوفيق الصريح )
( فتح الحق المبين في أحكام رقى الصرع والسحر والعين ص 75 ) 0
إن المؤمن الحق ، يعتقد جازما متيقنا أن في الكتاب والسنة شفاء لكل داء سواء كان حسيا أو معنويا ، وبتدبر معاني القرآن والسنة وتطبيق أحكامهما ، سموا بالنفس البشرية وأحاسيسها ومشاعرها تجاه الآخرين ، فتتجلى عوامل الصدق والإخلاص والأمانة والحب والوفاء والعدل إلى آخره من خصال وأحكام أقرتها الشريعة ، وتبدأ تلك الملامح تتضح على جوارح من آمنوا بتلك الأحكام وصدقوا بها 0
* القرآن والشفاء :-
إن القرآن شفاء ورحمة لمن خالطت قلوبهم بشاشة الإيمان ، فأشرقت وتفتحت لتلقى ما فيه من طمأنينة وسكينة وأمان 0 وفيه شفاء من الوسوسة والقلق والحيرة ، فهو يصل القلب بالله فيسكن ويطمئن ويستشعر الحماية والأمن ويرضى ، فينعم بالرضى من الله والرضى عن الحياة ، والقلق مرض والحيرة نصب ، والوسوسة داء ، ومن ثم هو رحمة للمؤمنين 0 وفيه شفاء من الهوى والدنس والطمع والحسد ، ونزغات الشيطان وهي من آفات القلب تصيبه بالمرض والضعف والتعب فتدفع به إلى التحطم والبلى والانهيار ، ومن ثم هو رحمة للمؤمنين ، وفيه شفاء من العلل الاجتماعية التي تخلخل بناء الجماعات وتذهب بسلامتها وأمنها وطمأنينتها ؛ فتعيش الجماعة في ظل نظامه الاجتماعي وعدالته الشاملة
في سلامة وأمن وطمأنينة ، ومن ثم فهو رحمة للمؤمنين ، إن التدبر والتفكر بالمعاني التي يحملها القرآن والسنة يعطي صفاء للنفس البشرية ، بحيث لا يبقي من أدران القلوب شيئا ، وتصبح القلوب طاهرة نقية تنبض بالإيمان الذي ينير لها الطريق في الدارين ، وهذا الفهم والإدراك تجلى لدى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم 0
قال ابن كثير : ( وقال الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود قال : كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن ، وقال أبو عبد الرحمن السلمي حدثنا الذين كانوا يقرئوننا أنهم كانوا يستقرئون من النبي صلى الله عليه وسلم
وكانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يخلفوها حتى يعملوا بما فيها من العمل فتعلمنا القرآن والعمل جميعا ) 0
( فتح الحق المبين في أحكام رقى الصرع والسحر والعين ص 78 ) 0
قال الدارمي ( قال الحافظ العلائي : ينبغي أن يعد كتاب الدارمي سادساً للكتب الخمسة \\\" وهي : صحيح البخاري ، وصحيح مسلم ، وسنن أبي داوود والترمذي والنسائي \\\" بدل كتاب ابن ماجة فإنه قليل الرجال الضعفاء نادر الأحاديث المنكرة والشاذة ) 0
: ( حدثنا معاذ بن هاني ( معاذ بن هاني : هو معاذ بن هاني اليشكري ويقال البهراني البصري أخرج له البخاري في اللباس عن عمرو بن علي عن همام – التعديل والتجريح – لمن خرج له – 2 / 714 0
روى عنه إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني وأحمد بن عصام الأصبهاني والحسن بن علي – تهذيب الكمال – 28 / 138 ) 0
حدثنا حرب بن شداد ( حرب بن شداد : اليشكري أبو الخطاب البصري ، ثقة من السابعة ، مات سنة إحدى وستين ، وقد روى له البخاري ومسلم وأبو داوود والترمذي والنسائي – تقريب التهذيب – 1 / 155 ) 0
حدثنا يحيى هو ابن أبي كثير ( يحيى بن أبي كثير الطائي : مولاهم أبو نصر اليمامي ، ثقة ثبت لكنه يدلس ويرسل ، من الخامسة ، مات سنة اثنتين وثلاثين وقيل قبل ذلك – تقريب التهذيب – 1 / 596 ) 0
حدثني حفص بن غياث الحنفي ( حفص بن غياث : بن طلق بن معاوية النخعي أبو عمر الكوفي القاضي ، ثقة فقيه تغير حفظه قليل في الآخر ، من الثامنة ، مات سنة أربع أو خمس وتسعين وقد قارب الثمانين – تقريب التهذيب – 1 / 173 ) 0
أن أبا هريرة –رضي الله عنه– قال إن البيت ليتسع على أهله وتحضره الملائكة ، وتهجره الشياطين ، ويكثر خيره ، أن يقرأ فيه القرآن ، وإن البيت ليضيق على أهله ، وتهجره الملائكة ، وتحضره الشياطين ، ويقل خيره ، أن لا يقرأ فيه القرآن ) 0
( أخرجه الدارمي في سننه – 2 / 522 ) 0
وقال الطبراني : ( حدثنا عبدالله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم ( عبدالله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم : يحدث عن الفربابي وغيره بالبواطيل – الكامل في ضعفاء الرجال – 4 / 255 0 قال بن عدي : حدث عن الفربابي بالبواطيل – لسان الميزان – 3 / 337 ) 0
عن محمد بن يوسف الفربابي ( محمد بن يوسف الفربابي : نزيل قيساربة من ساحل الشام ثقة فاضل ، يقال أخطأ في شيء من حديث سفيان ، وهو مقدم فيه مع ذلك عندهم على عبدالرزاق ، من التاسعة مات سنة اثنتي عشرة – تقريب التهذيب – 1 / 515 ) 0
عن سفيان عن منصور عن أبي وائل عن عبدالله بن مسعود قال : ( إن هذا الصراط محتضر تحضره الشياطين يقولون : يا عباد الله هذا الطريق فاعتصموا بحبل الله فإن الصراط المستقيم كتاب الله )
( المعجم الكبير للطبراني – 9 / 212 ) 0
وقد أخرج الدارمي في سننه بنحو ذلك عن أبي وائل عن عبدالله قال : ( إن هذا الصراط محتضر تحضره الشياطين ينادون يا عبد الله هذا الطريق فاعتصموا بحبل الله فإن حبل الله القرآن ) 0
( أخرجه الدارمي في سننه – 2 / 524 ) 0
ولا بد للمؤمن أن يعتقد كذلك أن القرآن دواء وشفاء بإذن الله لكافة الأمراض العضوية والنفسية والأمراض التي تصيب النفس البشرية من صرع وسحر وعين وحسد ونحوه ، وأن يتيقن أن العلاج بالقرآن الكريم حقيقة واقعة ، أثبتتها الأدلة القطعية من الكتاب والسنة ومن ثم الخبرة والتجربة العملية ، ومن فسر شفاء القرآن على شفاء القلوب فهو تفسير قاصر ، لأنه شفاء لأمراض القلوب والأبدان معا 0
يقول فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان : ( يقول تعالى : } وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْءانِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ { ( سورة الإسراء - الآية 82 ) 0
و } مِنْ { هنا بيانية فالقرآن كله شفاء ودواء لكل داءٍ فمن آمن به وأحلَّ حلاله وحرّم حرامه انتفع به انتفاعاً كبيراً ، ومن صَدَقَ الله في قصدِه وإرادتِه شفاه الله تعالى وعافاه من دائِه )
( نشرة لفضيلة الشيخ بتاريخ 21 / 1 / 1417 ه – ص 3 ) 0
يقول الشيخ عبدالله بن محمد السدحان : ( القرآن علاج لكل شيء والأصل في التداوي هو : أن يكون بالقرآن ، ثم بالأسباب الدوائية حتى في الأمراض العضوية ، لا كما يزعمه جهلة القراء من أن من كان مرضه عضوياً فليذهب إلى المستشفيات ، ومن كان مرضه نفسياً فليذهب إلى العيادات النفسية ، أما إن كان مرضه روحياً فعلاجه بالقراءة !! فمن أين لهم هذا التقسيم ؟ فالقرآن طب القلوب ودواؤها وعافية الأبدان وشفاؤها ، قال تعالى } وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْءانِ مَا هُوَ شِفَاءٌ { ( سورة الإسراء - الآية 82 ) 0
0 وانظر إلى كلمة شفاء ، ولم يقل دواء لأنها نتيجة ظاهرة ، أما الدواء فيحتمل أن يشفي وقد لا يشفي ) ( فتح الحق المبين في أحكام رقى الصرع والسحر والعين ص 81 ) 0
يقول فضيلة الشيخ عبدالمحسن بن ناصر العبيكان – حفظه الله – في تقديمه للكتاب الموسوم \\\" كيف تعالج مريضك بالرقية الشرعية \\\" للشيخ عبدالله بن محمد السدحان : ( والناس في هذا الزمن خاصة في أشد الحاجة للعلاج بالرقية الشرعية لانتشار الأمراض التي لا يوجد لها في الطب الحديث علاج كالسحر والعين ومس الجن ) ( فتح الحق المبين في أحكام رقى الصرع والسحر والعين ص 81 ) 0
قال الأستاذ سيد قطب : ( في القرآن شفاء من الوسوسة والقلق والحيرة ، فهو يصل القلب بالله فيسكن ويطمئن 000 وفي القرآن شفاء
من الهوى والدنس والطمع والحسد ، ونزغات الشيطان 000 والقرآن شفاء من العلل الاجتماعية التي تخلخل بناء الجماعات وتذهب بسلامتها وأمنها وطمأنينتها 0
وعندما يصبح القرآن ربيع القلب ، ونور الصدر ، وجلاء الحزن ، وذهاب الهم ، فإنه بمنزلة الدواء الذي يستأصل الداء ويعيد البدن إلى صحته واعتداله بعد مرضه واعتلاله ) ( فتح الحق المبين في أحكام رقى الصرع والسحر والعين ص 81 ) 0
قال الأستاذ أحمد الصباحي عوض الله : ( فالقرآن الكريم هو الشفاء التام من جميع الأمراض النفسية والعضوية ، والسنة المحمدية المستمدة من القرآن تبين لنا طرق التداوي به 0
وعلى كل مسلم أن يستلهم من دينه العظيم – قرآناً وسنة – ما ينفعه في دينه ودنياه ، حتى يوفق إلى الاستشفاء بهما 00 وما يستطيع أن يوفق إلا المخلصين الأبرار 0 الذين يتداوون بهما بقبول وصدق ، وإيمان واعتقاد 0
فإن الأمراض مهما عظمت فلن تقاوم كلام الله رب الأرض والسماء وخالق كل شيء – الذي لو نزل على الجبال لخشعت وتصدعت من خشيته – 0
وما من مرض إلاَّ وفي القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة سبيل إلى شفائه ، وعلينا أن نتدبر القرآن والسنة ، ففيهما الدواء وفيهما الشفاء 0 والله وحده هو الشافي ، ولا شفاء إلا شفاؤه ) ( فتح الحق المبين في أحكام رقى الصرع والسحر والعين ص 82 ) 0
وكل ما سبق لا يعني مطلقا الامتناع عن اتخاذ الأسباب الحسية في العلاج كالذهاب إلى الطبيب والمصحات والمستشفيات ، بل هذا هو الأصل في كونه سببا حسيا موجبا للشفاء بإذن الله سبحانه وتعالى0 فالمسلم يجمع في سلوكياته وتصرفاته بين اتخاذ الأسباب الشرعية والحسية المباحة ، وهذا ما أكدته النصوص القرآنية والحديثية في أكثر من موضع 0
فالطب في مجالاته المختلفة علم قائم له أخصائيوه ورجاله ، وهو علم واسع ومتشعب ، وسوف يظهر جليا أهمية هذا الجانب الحسي في حياتنا عندما أتكلم بالتفصيل عن هذا الموضوع في هذه السلسلة ( الأصول الندية في علاقة الطب بمعالجي الصرع والسحر والعين بالرقية ) وهذا ما يؤصل في نفسية المريض اللجوء إلى الله سبحانه وتعالى واتخاذ كافة الأسباب الداعية إلى الشفاء بإذن الله تعالى 0
يقول الشيخ الدكتور محمد الخميس المدرس في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - كلية أصول الدين – قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة - في تقديمه للكتاب الموسوم \\\" كيف تعالج مريضك بالرقية الشرعية \\\" : ( وخصوصا أن الناس في زماننا قد انتشرت بينهم أمراض كثيرة نتيجة الغفلة عن شرع الله والإعراض عن ذكره ، وكثير منهم لا يلتفت إلى الرقية الشرعية ، ولا يعيرها بالاً بل يكتفي بالأدوية المادية فقط ، والبعض يطعن في إثبات العين وأثرها ، ولا يشير باستعمال الرقية الشرعية ، هذا مع أن الطب قد عجز عن كثير من هذه الأمراض ) ( فتح الحق المبين في أحكام رقى الصرع والسحر والعين ص 83 ) 0
والحقيقة التي لا بد من البحث للوقوف عليها في العصر الحاضر هي أسباب فشل توظيف القرآن الكريم والسنة المطهرة في الرقية والعلاج لكافة الأمراض العضوية والنفسية وأمراض النفس البشرية ؟
إن المتأمل في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم يعلم جازما متيقنا ، أن الرقية والعلاج بالكتاب والسنة تحتاج إلى قلوب طاهرة عامرة بالإيمان ، ألقت الضغائن والأحقاد جانبا ، وملأت القلوب بالمحبة الخالصة لله ولرسوله وللمسلمين ، فتسلحت بالعقيدة والمحبة والطاعة ، وهذا ما سوف يظهر أثر القرآن والسنة على سمت من عرف قدرهما وعلم حقها ، والسيف بضاربه ، وكل إناء بما فيه ينضح ، وقد تجلى ذلك الأثر في رقية سيد الحي بفاتحة الكتاب ، وانتفع بها أيما انتفاع بإذن الله تعالى ، فكأنما نشط من عقال ، والقصة سوف يعرج عليها لاحقا في هذا الفصل ، والشواهد والأحداث كثيرة على ذلك ، ولا بد من وقفة تبين أسباب ذلك القصور في استعمال القرآن والسنة لمثل ذلك العمل الجليل ، وهذه الوقفة تتجلى في الاهتمام بالمعالِج والمعالَج وهذا ما سوف يتضح من خلال هذه السلسلة بإذن الله تعالى 0
قال صاحبا الكتاب المنظوم فتح الحق المبين يحرص الناس على اتخاذ وسائل السلامة والحماية والوقاية التي تقيهم مصائب الدنيا ومكدرات الحياة من مرض أو هدم أو حريق أو غرق أو أي حادث من الحوادث أو الأخطار ، وليس هناك مانع شرعا ولا عقلا يمنع من اتخاذ سبل الوقاية ، فالوقاية خير من العلاج ، بل إن الشريعة الإسلامية حرصت على المحافظة على الضرورات الخمس النفس ، المال ، العرض ، الدين ، العقل ) 0
وسبل الوقاية من الشرور الدنيوية تنقسم إلى قسمين :-
1 - سبل مادية 0
2 - سبل إلهية 0
والذي يهمنا الأمر الثاني ، فإنه هو النافع بإذن الله تعالى ، فلقد جاءت السنة المطهرة بعلاج جميع الأدواء لكن الناس يفرطون في ذلك ، ولو أن المسلم اعتنى بالتحصينات الشرعية وندب إليها أهله ومن تحت يده لسلموا بإذن الله تعالى من كل شر ومكروه 0
فكل أمر ثبت في السنة أنه نافع لمرض من الأمراض فهو نافع لا محالة حتى لو ظن من أتى به أنه غير نافع بناء على عدم استفادته ، ذلك أنه قد يكون عدم استفادته من جهة المصاب نفسه أو من جهة المعالج وصدق الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم : ( صدق الله وكذب بطن أخيك ) ( أخرجه الإمام أحمد في مسنده – 3 / 19 ، 20 ) 0 متفق عليه – أخرجه الإمام البخاري في صحيحه – كتاب الطب ( 4 ، 24 ) – برقم ( 5684 ، 5716 ) والإمام مسلم في صحيحه – كتاب السلام ( 91 ) – برقم ( 2217 ) ، والترمذي في سننه – كتاب الطب ( 31 ) - برقم ( 2179 ) ، والنسائي في \\\" السنن الكبرى \\\" - 4 / 164 ، 370 - أبواب الاطعمة ( 52 ) - برقم ( 6705 ، 6706 ) - وكتاب الطب ( 46 ) - برقم ( 7560 ، 7561 ) ، أنظر صحيح الترمذي 1697 ) 0
ومن واقع تجربتنا ثبت لنا أن أكثر المصابين قد فرطوا في هذه الأدعية والأذكار التي هي حصن حصين بإذن الله من كل شر ظاهر أو خفي ) ( فتح الحق المبين - باختصار - ص 38 - 39 ) 0
إن الرقية الشرعية أصبحت مطلبا ملحا ، بسبب انتكاس الفطر السوية لدى كثير من الناس ، وبعدهم عن خالقهم ، واقترافهم المعاصي ، ووقوعهم في المحرمات ، مما أدى إلى تسلط الشيطان ، بوسائله الخبيثة ، ودسائسه الماكرة ، فلا بد للمسلم أولا من العودة الصادقة للينبوع والمنهل الحقيقي المتمثل في الكتاب والسنة ، ومن ثم المعرفة التامة بالطرق الصحيحة المباحة للرقية الشرعية ، فيتقيد بها ، ويلتزم بمنهجها ، ويطبق ذلك على نفسه ، وآل بيته ، ويجوز له كذلك طلب الرقية الشرعية بنفس الطريقة والمنهج ، واتخاذ ذلك سببا شرعيا للشفاء 0
قال الدكتور فهد السحيمي عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية في أطروحته المنظومة لنيل شهادة الماجستير :-
( ولقد بلغ النبي صلى الله عليه وسلم
الأمانة وأدى الرسالة وبين التوحيد وحذر من الشرك المناقض له أيما تحذير ، وسد كل طريق يوصل إليه حماية للتوحيد عما يشوبه من الأقوال والأعمال التي يضمحل معها التوحيد أو ينقص 0
وإن من الأمور التي طار في الأمة شررها وعظم في الناس خطرها وأوقعت كثيراً منهم في حبائل الشرك – ولا حول ولا قوة إلا بالله – عدم فهم مسألتي الرقي والتمائم الفهم الصحيح عند كثير من الناس ، وهاتان المسألتان المهمتان فصل القول فيهما النبي صلى الله عليه وسلم
لما يؤديان إليه من الشرك بالله عز وجل ، فلقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم
عن الرقى والتمائم وأخبر بأنهما من الشرك وذلك لما كان يوجد فيهما عند الجاهليين من طلب النفع ودفع الضر من غير الله ، فما كان من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم
إلا التسليم لما قاله المصطفى صلى الله عليه وسلم
، فذهبوا إليه وقالوا له : إنك نهيت عن الرقى 0 وأخبروه بأنه كانت عندهم رقى ينتفعون بها من ذوات السموم وغيرها من الأمراض ، فطلب منهم أن يعرضوها عليه فأقر منها ما لم يكن شركا حيث قال لهم : ( لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك ) ( أخرجه الإمام مسلم في صحيحه – كتاب السلام ( 64 ) – برقم ( 2200 ) ، وأبو داوود في سننه – كتاب الطب ( 18 ) – برقم ( 3886 ) ، والحاكم في المستدرك – 4 / 212 ، وابن وهب في \\\" الجامع \\\" ( 119 ) ، انظر صحيح الجامع 1048 ، صحيح أبي داوود 3290 – السلسلة الصحيحة 1066 ) 0
أما التمائم فلم يسألوا عنها فبقيت على ما هي عليه من النهي عن تعليقها ، ولكن أنى لأولياء الشياطين أن يتوقفوا عن بث ما أملته عليهم أنفسهم وشياطينهم ؟! فلقد عم الخطب واتسع الخرق على الراقع حيث انتشرت الرقى والتمائم الشركية في كثير من بلاد المسلمين وأصبح أمر هذه الأشياء بينهم سهلا متداولا وما ذلك إلا نتيجة الجهل في مسألة التوحيد وعدم التحذير من الشرك في تلك البلاد ، بل لو تكلم الداعية في هذا الموضوع ، لاتهموه بتفريق المسلمين 0 حتى أصبحت الدعوة للتوحيد والتحذير مما يناقضه من الأمور المحظورة بينهم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ) ( أحكام الرقى والتمائم - ص 5 - 6 ) 0
وقال الشيخ سعد البريك في تقديمه لكتاب \\\" الفتاوى الذهبية في الرقى الشرعية \\\" : ( لقد باتت الحاجة ماسة إلى توسيع دائرة الانتفاع والعلاج بالرقى الشرعية ، لما ثبت لها من أثر جلي في شفاء كثير من الأمراض النفسية وغيرها تلك التي استعصت على الطب الحديث كالصرع والمس والعين والسحر 0
وفي ظل هذه الحاجة استغل بعض النفعيين تعلق المرضى بأسباب العلاج فراحوا يتخبطون في تسمية أمراض ووصف أدوية بلا دليل يؤيدها من النقل أو العقل أو الاستقراء والتتبع 0
على أن الميدان ما خلا من المحتسبين الصادقين الذين نفع الله برقيتهم وبارك في أدويتهم بمنه وكرمه 00 لكن اختلط الحابل بالنابل وظهر مشعوذون يدعون زورا أنهم يعالجون بالرقى ، وظلم صالحون ، اتهموا بهتانا بأنهم يشعوذون حتى أصبح المحتاجون في حيرة مدلهمة لا يميزون بين الخبيث والطيب 0 ووقع بعض المرضى ضحية هذا الخلط والغموض فقصدوا المشعوذين ظنا أنهم من أهل الرقى الشرعية ، وآخرون أعرضوا عن الرقى خوفا من أولئك المشعوذين ) ( فتح الحق المبين في أحكام رقى الصرع والسحر والعين ص 88 ) 0
يقول الأستاذ علي بن محمد ياسين : ( إن الرقية الشرعية أصبحت من الضرورات في ظل الأسباب التي سوف أسرده وهي على النحو التالي :
أولاً : كثرة السحرة والمشعوذين وانتشار السحر بين الناس 0
ثانياً : ضعف يقين كثير من الناس وتعلقهم بالأسباب المادية ، والهرولة وراء كل من نادى بالشفاء والعلاج ، سواء كان طبه شرعياً أو غير شرعي وهو الأغلب 0
ثالثاً : كثرة الأمراض التي لا يعرف أسبابها ولا علاجها 0
رابعاً : وجود المعالجين الذين يدّعون العلاج بوسائل تدور حولها الشبهة 0
خامساً : كثرة تسلط الجن والإصابة بالعين والحسد بين الناس 0
سادساً : حاجة الناس الماسة للأدوية الإلهية ، خاصة أن منفعتها ثابتة وظاهرة ومتحصلة إذا أتت بضوابطها ، وانتفت موانعها 0
سابعاً : أهميتها في جانب التوحيد ، وتعلق الناس بربهم ، الذي يملك نفعهم وضرهم ) ( فتح الحق المبين في أحكام رقى الصرع والسحر والعين ص 89 ) 0